"سأقرأ هذا المقال لاحقا"...لماذا نسوّف؟

شارك:


588 مليار دولار أميركي هي الخسائر الناتجة عن التسويف بحسب تقرير لمؤسسة بيسكس الأميريكية والتي أجرت دراسة حول المقاطعة أثناء العمل (الناتجة من تصفح السوشال ميديا مثلا). في هذا المقال سنبحر قليلا في عالم التسويف وماهيته وكيفية التغلب عليه!

ماهو التسويف؟

التسويف من (سَوْف) وهو حرف يسبق الفعل المضارع ليدل على الإستقبال، فجملة "سوف أمارس الرياضة" ليست هي ذاتها "أمارس الرياضة" فالأولى دلت على أن ممارسة الرياضة لم تحدث بعد، أو أنها ليست من الأفعال التي يقوم بها المتحدث. أما في الجملة الأخرى، التي لا تحتوي على سوف، فإنها تدل على أن الفعل اعتيادي، فقد تُمارس الرياضة اليوم أو غدا، وربما قد مورست في الأمس أيضا.
وسوّف الشيء، أي أخّره وماطله، ومنه كلمة التسويف الإصطلاحية: والتي تعني تأخير عمل ذو أولوية بالنسبة للفرد لوقت آخر، وهو ما يجعل الفرد يشعر بالذنب جراء ذلك. 
فالتسويف ليس تسويفا إن لم يكن هنالك أولوية للعمل المؤجل، وهو ليس كذلك أيضا مالم يشعر المرء بالذنب بسبب تأجيله.
 فمثلا، إن تعبئة خزان سيارتك بالوقود لهو أمر أساسي، إلا أنك  تؤخر هذا الفعل من أجل الوصول إلى البيت مبكرا لأجل الاسترخاء ومشاهدة مسلسلك المفضل. فمشاهدة المسلسل ليست أولوية إلا أنك تقدمها على الفعل الأساسي، وكلما تذكرت ذلك فيما بعد شعرت بالذنب، وفي النهاية ربما تنطفىء عليك السيارة في الطريق بسبب الإهمال، أو أنك تتذكر أن عليك تعبئة خزان السيارة بالوقود في لحظة حرجة لا تستدعي التأخير!
هذا مثال بسيط على التسويف، وفي الحقيقة، إن التسويف لهو مكلف جدا ويتدخل دائما في إنجاز أعمالنا، وقد يكون العقبة في طريق أهدافنا. 

الدماغ والتسويف:

بإمكاننا القول أن سلوكيات الإنسان هي نتاج معركة طاحنة في الدماغ بين جزئين رئيسيين: الجهاز الحوفي (The limbic system)  والقشرة الجبهية (The prefrontal cortex).
 فالجهاز الحوفي هو مركز اللذة والعواطف، وبالتالي يتخذ قراراته بصورة اندفاعية غريزية  لا واعية بمجرد وجود الحافز والذي يستقبله الدماغ عبر حواس الإنسان الخمس، ولهذا السبب فإن الغلبة تكون له على الأرجح؛ لأن السلوكيات الناتجة عنه غريزية تمس حاجة الإنسان للبقاء، على الأقل هذا هو عمله الرئيسي. 
فمثلا وأنت تقوم بعمل لك مهم تشعر بالجوع، ثم تشم رائحة الطعام الذي وضعته لك زوجتك على الطاولة، فالبرغم من أهمية العمل إلا أن تصرفك سيكون في الغالب أن تؤجل عملك لتناول الطعام. الأمر مشابه بالنسبة للأفعال الجنسية، كمشاهدة الصور أو الأفلام الإباحية، فقد تمر بإعلان فيه إثارة جنسية وأنت تبحث عن معلومة ما تخص عملك أو دراستك، فقد ينتهي بك الحال أن تشاهد تلك الصور والأفلام بطريقة لا واعية. 
الأمر يختلف بالنسبة لجزء القشرة الجبهية، والذي مهمته هي التخطيط واتخاذ القرارات الواعية، ويعتبر وجود هذا الجزء من الدماغ، من منظور تطوري،  حديثا مقارنة بالجهاز الحوفي. وبالتالي فإن انتصاره في المعركة لهو المراد حين يتعلق الأمر بالأعمال التي نود القيام بها، وهو أمر ليس بالهين لأن مهمته هي كبح الغرائز من أجل غاية مستقبلية. 
التسويف كمعادلة رياضية:
  د. بيرز ستيل الباحث في مجال التحفيز والتسويف ومؤلف كتاب معادلة التسويف (The Procrastination equation)  يرى أن هنالك عوامل أربعة تؤثر في سرعة إنجازنا للأعمال: التوقع (Expectancy) ، والقيمة (Value)، والتأخر (Delay)، والإندفاع (Impulsiveness). حيث أن الدافع (Motivation)  للعمل ذو علاقة طردية مع التوقع والقيمة، وعكسية مع التأخير والإندفاع موضحا بالمعادلة التالية: 
الدافع = (التوقع + القيمة) ÷ (التأخر + الإندفاع)
فالدافع هنا هو عكس التسويف بحيث أن كلما كان الدافع لعمل شيئ ما مرتفعا، فإن التسويف بطبيعة الحال يكون فيه متدنيا. ولكي يرتفع الدافع لأداء مهمة ما، يجب أن يكون التوقع من نتيجة ذلك الفعل عاليا أيضا، فلا يجد الفرد الرغبة في العمل إن لم تكن توقعاته عالية بقدرته على الإنجاز. 
بالمثل، فإن قيمة الشيء ترفع من معنويات الفرد لأداء عمله، إذ كيف يمكن أن يكون أداء العمل مرتفعا إن لم تكن هنالك قيمة مادية أو معنوية يشعر بها الفرد، فهل يعقل أن يبذل المرء جهدا كبيرا مقابل عمل إذا كان راتبه متدنيا ونتائج عمله لا تخدم إلا رب العمل؟!
بالمقابل فالعكس بالنسبة للتاخر والإندفاع، فللوقت أيضا قيمته، فالعمل الذي يتطلب إنجازه في وقت محدد في عدة أيام يمكن أن يظهر الدافع تجاهه بوتيرة أعلى من عمل يتطلب استكماله عدة سنوات مثلا.
 كذلك الأمر بالنسبة للإندفاع، فالإندفاع هو سلوك الفرد بالقيام بأعمال أقل أهمية بدون تفكير والتي عادة تتطلب مدة زمنية قليلة مع ربح مادي أو معنوي سريع، أي أنها سلوكيات غريزية تظهر لدى جميع الناس رغم أن قدرة البعض على التحكم بها أعلى لأسباب جينية أو بيئية. 
وحتى تكون الفكرة أكثر وضوحا دعونا نحلل المثال التالي:
- (سلمان طالب جامعي طموح ، يدرس الهندسة، وبالرغم من كونه يرى أن نتائج الإمتحانات العالية لن تؤثر كثيرا في حياته العملية، إلا أنه يرى أن باستطاعته أن ينجح بتفوق. مع ذلك، في كل مرة يحاول فيها أن يفتح كتبه، أو أن يكتب البحث المقرر، يجد نفسه بعيدا عن أداء أيّ من هذه الأعمال المرهقة جدا لذهنه وتفكيره، فيلجأ إلى مشاهدة البرامج التلفزيونية أو الأنمي الياباني حتى منتصف الليل، وفي كل مرة يستقيظ من النوم يكره ذاته بسبب هذا التأخير، ثم تتكرر دائرة التسويف هذه حتى يقترب موعد تسليم البحث، أو موعد الإمتحانات، فيجد نفسه ينهي تلك الأعمال بأقل كفاءة وأسوأ نتيجة مما يطمح إليه.)
بالنظر إلى حال سلمان فنلاحظ:
• أن توقعاته بقدرته على التفوق عالية (التوقع). 
• أما عن قيمة التفوق بالنسبة إليه فهي متدنية (القيمة)، فهو يسعى إلى حياة عملية يعتمد فيها على مهاراته التي لن تؤثر نتائج الإمتحانات فيها الشيء الكثير. 
• وبالنسبة لتوجهه للبرامج التلفزيونية ومسلسلات الأنمي الياباني، فذلك أنها تحفز الجوانب العاطفية والمتع لديه فيجد نفسه ميال إلى الإكثار منها (الإندفاع) .
• كذلك الأمر بالنسبة لعمله مع اقتراب الموعد (التأخر)، فهذا لأنه يدرك الخطر الذي قد يواجهه إن لم يقم بذلك، فقد يكلفه تأخر في دراسته وخسارة في ماله، بالإضافة إلى أن لذة قضاء الإجازة قد اقتربت أو ربما لذة إنجاز الإمتحان أو البحث. 

 كيف ننجز أعمالنا دون الوقوع في فخ التسويف:

إن فهم المشكلة وأبعادها لهو المفتاح لحلها بكل تأكيد، وبالتالي، وبالنظر إلى معادلة التسويف، فإن الطريقة المثلى للقضاء عليها هو باستخدام أساليب تساعدنا من رفع التوقعات والقيمة، وتقديم مواعيد الانتهاء من العمل ولو حتى بتقسيم الأهداف إلى أخرى قصيرة المدى، بالإضافة إلى الإبتعاد عن المشوشات التي تستهدف الجهاز الحوفي.
طريقة بومودورو هي واحدة من أشهر الطرق للوصول والتي قد كتبت عنها في مقال سابق هنا.

التعليقات

الاسم

أخرى,4,إدارة ذاتية,4,تاريخ، فكر، علم اجتماع,2,تعلم,9,علم النفس الإجتماعي,1,علم النفس الإدراكي,7,فلسفة,7,
rtl
item
فطن: "سأقرأ هذا المقال لاحقا"...لماذا نسوّف؟
"سأقرأ هذا المقال لاحقا"...لماذا نسوّف؟
https://blogger.googleusercontent.com/img/a/AVvXsEhjhwilgPvh2wis45Sl3Y-EahKd9aDqyYZhWzZy0NOGeoU8DljXAnHz6CqmVywdLEzT_U5AkHWmsBz9Xix2y76YS_cyTM5ObDUXFznTx1rqy0qgneiVhHx-MqYxyc1drtzQ-LzS4uJRkmzw_BuurGMP0yUsUF9hcpc1wduj_VOGgsG_7P8UKv1Oitjd0A=w640-h480
https://blogger.googleusercontent.com/img/a/AVvXsEhjhwilgPvh2wis45Sl3Y-EahKd9aDqyYZhWzZy0NOGeoU8DljXAnHz6CqmVywdLEzT_U5AkHWmsBz9Xix2y76YS_cyTM5ObDUXFznTx1rqy0qgneiVhHx-MqYxyc1drtzQ-LzS4uJRkmzw_BuurGMP0yUsUF9hcpc1wduj_VOGgsG_7P8UKv1Oitjd0A=s72-w640-c-h480
فطن
https://www.fa6n.com/2021/10/x.html
https://www.fa6n.com/
https://www.fa6n.com/
https://www.fa6n.com/2021/10/x.html
true
3900940133559499526
UTF-8
تم تحميل جميع المقالات لا توجد أي مقالات مشابهة عرض الكل إقرأ المزيد التعليق إلغاء التعليق حذف بواسطة الرئيسية الصفحات المقالات عرض الكل مقترحة لك التسميات الأرشيف البحث جميع المقالات لا توجد أي مقالات مطابقة الرجوع للرئيسية الأحد الإثنين الثلاثاء الأربعاء الخميس الجمعة السبت الأحد الإثنين الثلاثاء الأربعاء الخميس الجمعة السبت يناير فبراير مارس أبريل مايو يونيو يوليو أغسطس سبتمبر أكتوبر نوفمبر ديسمبر يناير فبراير مارس أبريل مايو يونيو يوليو أغسطس سبتمبر أكتوبر نوفمبر ديسمبر الآن قبل دقيقة قبل $$1$$ دقائق قبل ساعة قبل $$1$$ ساعات الأمس قبل $$1$$ أيام قبل $$1$$ أسابيع منذ خمسة أسابيع متابعين تابع هذا المحتوى مقفل الخطوة الأولى: شارك على شبكات التواصل الخطوة الثانية: اضغط الرابط من داخل موقع التواصل Copy All Code Select All Code All codes were copied to your clipboard Can not copy the codes / texts, please press [CTRL]+[C] (or CMD+C with Mac) to copy قائمة المحتويات