كم ساعة نحتاج لكي نتعلم؟
سؤال مهم جدا علينا طرحه قبل الخوض في التعلّم أو وضع المناهج التعليمية. فالملاحظ مثلا أن كورسات الجامعات والمعاهد كلها تتمحور حول عدد الساعات التي تتطلبها المادة التعليمية لكي يتمكن المرء من إتقانها.
لكن هل يوجد هنالك رقما سحريا لكي نحدد ساعات التعلم؟
الباحثون – وعلى رأسهم إريكسون– قد بحثوا بالفعل عن عدد ساعات الإتقان، وخلصوا إلى أن الوصول إلى مستوى الخبرة يتطلب حوالي 10,000 ساعة، وهي الفترة التي تقدر بعشر سنوات من التدريب المستمر بمتوسط أربع ساعات في كل يوم عمل تقريبا إذا ما استثنينا أيام الإجازة والراحة. هذا العدد من الساعات أصبح مشهورا بفضل مالكولم جلادويل حين ألف كتابه الشهير الناشزون (the outlier) والذي تحدث فيه عن الأمر الذي يجعل بعض الناس يتميزون عن الآخرين بمستويات بعيدة المنال.
لكن هل الـ 10,000 ساعة هو الرقم السحري للتعلم؟
ليس تماما، فهذا الكم من الساعات إنما له علاقة بالوصول لمستوى الخبرة، لكنه لم يأخذ بعين الإعتبار مدى تعقيد تلك المهارة التي يريد المرء أن يتعلمها. الأمر الآخر هو أن هذا الرقم لو افترضنا أنه حقيقي، فهو فقط يتحدث عن ما نحتاجه فعلا للوصول لمستوى الخبرة، أي أنه المستوى الذي نكون فيه محترفين وأفضل من متوسط المتعلمين، ولكنه لا يشرح أبدا الوصول إلى مستوى يجعلنا جيدين بما فيه الكفاية لنقوم بالمهمة في أبسط صورها.
ما أردت قوله من المقدمة أعلاه هو أن هنالك العديد من المهارات التي نحتاجها في حياتنا اليومية لتسهيل عملنا أو لجعل حياتنا أفضل، أو حتى للاستمتاع بحياتنا. وبالتالي فلسنا حقا نريد أن نصل إلى مستوى الخبرة حتى نقول بأننا لا نملك الوقت لتعلم تلك المهارة.
ومن هنا وكوني أحب أن أجدد مهاراتي، قررت أن أبحث عن الإجابة لهذا التساؤل عن كم الوقت الذي نحتاجه لتعلم مهارة جديدة. ومن خلال بحثي المتواصل على هذه الأسئلة الخاصة بالتعلم توصلت إلى هذا المؤلف، واسمه جوش كاوفمان، وهو مدمن تعلّم كما وصف نفسه في كتابه (لعله السبب الذي شدني إلى كتابة هذا المقال، كوني مثله مدمن تعلم).
أول 20 ساعة:
ألف جوش كتابا بعنوان أول 20 ساعة (The First 20 Hours)، والذي يحاول فيه إقناع القارىء بأنه يحتاج فقط إلى عشرين ساعة لتعلم أي شيء وبسرعة.
هل نستطيع فعلا التعلم في عشرين ساعة فقط؟
نعم هو كذلك، لكن هنا يكمن السر: وهو أن 20 ساعة من التركيز والتعلم المناسبين كافية لأن نتعلم أي شيء لكن بالطبع إلى مستوى معين، وبالتالي فإن أردنا الوصول إلى المرحلة التالية علينا أن نبدأ بتفريغ عشرين ساعة جديدة للوصول إلى المستوى الآخر.
فقد تحدث المؤلف في كتابه عن العديد من المبادىء والحيل التي تعيننا على اكتساب المهارات في أسرع وقت، ثم تحدث عن تجاربه في اكتساب مهارات مختلفة، كالطباعة السريعة باستخدام كيبورد COLEMAK بدلا من كيبورد QWERTY الشهير. كذلك الأمر بالنسبة لتعلمه اليوغا، ولعبة GO وغيرها من المهارات.
أما عن مبدأ تطبيق العشرين ساعة للتعلم فلعله قد اختصرها بصورة
جيدة في حديثه في أحد تجمعات تيد إكس (TEDX) في فيديو حقق أكثر من 14 مليون
مشاهدة (حتى كتابة هذا المقال)، وفيه اختتم الفيديو بمقطوعة عزف بآلة
الأوكليلي التي تعلمها في 20 ساعة على حد قوله، وقد لخصها في أربع خطوات:
1- فكك المهارة المستهدفة إلى مهارات أصغر:هناك تعقيد في كل مهارة، فكل مهارة نريد تعلمها تتكون عادة
من مهارات أصغر، وبالتالي معرفة تلك المهارات مهم جدا. مثال، اللغة تتكون
من قواعد لغوية ومفردات، وصوتيات وكل واحدة منها تتكون من مهارات أصغر،
ولذلك فمعرفة مستوانا ومن ثم تعلم المهارات الصغيرة والدمج بينها لهو
أفضل الخيارات لتعلم المهارة المستهدف.
2- تعلم بما فيه الكفاية، حتى تستطيع أن تصحح مسارك بنفسك:
في
هذه المرحلة قم بالبحث عن الأدوات والمصادر المناسبة للتعلم. اقرأ قدر
المستطاع، وحاول أن تحصل على عدة مصادر (من 3 إلى5 مصادر)، سواء كان عن
طريق كورس على الإنترنت أو ديفيدي أو دورة تدريبية.
3- أزل العوائق التي يمكن أن تقف في طريقك للتعلم :
كثيرة هي المعوقات التي يمكن أن تؤثر في رحلتنا لاكتساب
المهارة، فلا يمكن أن تتعلم إن كان جهازك الجوال يرن بأصوات المنبهات التي
تذكرك بأن أحدهم قد علق على منشورك على الفيسبوك، أو أنك تلقيت رسالة على الواتساب.
أيضا من المعوقات التي يمكن أن تؤثر هو عدم وجود الأدوات المهمة للتعلم في الوقت الذي تريد.
4-
تعهد لأن تخصص 20 ساعة لتعلم المهارة:
وهنا كما يرى جوش أن هذا العدد من
الساعات هو كاف لتجاوز المرحلة الأولى للمهارة. وهي مرحلة صعبة؛ لأن الجهل
بالمهارة وعدم إتقانها يدفع المرء إلى التوقف واليأس بسبب فشله الأولي (بالرغم من أنه اعتيادي ومتوقع). وبالتالي فإنهاء
الـ20 ساعة من شأنه أن يعلمك أساسيات المهارة، الأمر الذي قد يدفعك إلى
الاستمرار فيها بمستوى جديد (بـ20 ساعة جديدة)، أو التوقف بالمستوى الحالي
للمهارة.
التعليقات