أريد أن أقول أن الحكم السريع على الأشياء غير فاعل في مثل هذه الموضوعات. والأجدر لكل قارئ أو باحث أن يحاول توسعة مفرداته وأن لا تسيطر عليه مركزية المعرفة عند نسقٍ معين فلسفي كان أم عقائدي. فالعلم لا يضعنا في صورة واحدة كلّية تتميز بحدّية المصير بقدر حدّية المنهج بعيداً عن الاستنتاجات القبلية التي تغرسها الأيديولوجيا في ذهنية الفرد بصور مطلقة لا تقبل النقد والشك وإعادة النظر.
فالنظام فكرة ليس حديثاً ذكرها في الحقول العلمية والفلسفية واللاهوتية. وستجد تباينات للحكم على الوجود بهذه اللفظة التي تستدعي وجوب نسق ثابت للأشياء. ولعل تبني حكم فكرة النظام على الوجود أو اللا نظام يستدعي مقدمات ذات تسلسل منطقي ليس فقط على المستوى الفلسفي أو اللاهوتي. بل حتى على مستوى العلم. وإينشتاين نفسه ظل متذبذب بين المفهومين ومن المرجح أنه يميلُ قليلاً إلى فكرة النظام وبعض الفيزيائيين يحكم على الوجود بمصطلح (الفوضى المنتظمة) كمحاولة لعدم التحيز تجاه حكم معين. فإلى أي مدى ستصمد هذه الفكرة؟
لماذا يميلُ الإنسان إلى فكرة النظام؟
قديماً بعد ظهور الإنسان العاقل وقبل ظهور الأديان الإبراهيمية سادت فكرة أن كل الأشياء لها عقل واعي. ونعني بالأشياء الجبال والقمر والشمس والبحار والأنهار وغيرها من الموجودات الحسّية الظاهرية للإنسان. ونعني بالعقل الواعي هو العقل الذي يعي وجوده ويحمل مشاعر الحب والكره والغضب والأنانية وغيرها. وبالتالي لكل شيء في الوجود غاية ومقصد. فيميل الإنس الأوائل في تفسير بعض الظواهر الطبيعية على أنها غضبٌ من ذاتية الشيء. فمثلاً في مصر القديمة كانوا يرمون أجمل نساء البلد في نهر النيل حتى لا يفيض عليهم. وكأن للنهر وعياً نستطيع أن نتعاطى معه كما نتعاطى مع بعضنا, وقس عليها الخسوف والكسوف والزلازل والبراكين والأعاصير وغيرها ممن ارتبطت بخرافات وأساطير الأولين حتى جاءت فكرة الأديان الإبراهيمية "التوحيدية" لتخبرنا الأخيرة أن العقل الواعي ليس في ذات الأشياء وإنما في قوة مطلقة خارج الوجود هي التي أوجدت الوجود بهذه الصور والأشكال والغايات والمقاصد. وهي لم تخرج أيضاً عن فكرة النظام. حتى بعد ظهور العلم منذ بدء ثورة كوبرنيكوس ظلَّ هذا المفهوم ثابتاً وعليه صاغ نيوتن قوانينه الفيزيائية. في حين أن الفلسفة بدأت تناوشه من بعيد لتبدأ عملية الهدم من الفيلسوف نيتشه حين بدأ الحرب على الثنائيات. لكنها اتّخذت بُعداً أخلاقياً ثم امتدت. فنيتشه بدأ بهدم ثنائية الخير والشر باعتبار أن هذين المفهومين يؤسسان للأخلاق الإنسانية وبدأ بالتبشير للإنسان الخارق "السوبرمان" لتبلور أكثر فكرة عبثية الكون مع الوجودية في طابعها الفلسفي البحت.
لماذا هو مفهوم لغوي أطلقه الإنسان على الأشياء؟
الفيلسوف البريطاني برتراند رسل يقول في هذا الشأن أن إضفاء فكرة النظام على الوجود ليس علمياً ولا موضوعياً، لأننا هكذا وجدناه وما من معيار آخر يمكن المقارنة به لهذا الوجود. أي أن القول بأن هذا الوجود منظم هو حكم إنساني للوجود وليس في ذاتيته. وهي فكرة تعود بناء إلى اليونان مع السفسطائيين تحديداً بقول فيلسوفها برتوغوراس (الإنسان معيار الأشياء جميعاً) وهي نظرة متقدمة وعميقة. وهي ترجَح ما قاله رسل بأن الإنسان هو من أضفى هذا الحكم على الوجود، والوجود هو موجودٌ فقط. وهو ما يعني أن النظام هي لفظة لغوية أطلقها الإنسان على الوجود. وما توصلت إليه الفيزياء والأنثروبولوجيا والأحياء التطورية يخدم هذا الاتجاه العبثي والفوضوي تجاه الكون. فهذه العلوم تخبرنا أن عمر الإنسان قصير جداً بعمر الكون، لذلك صعبٌ عليه أن يلحظ التغيرات والاختلالات التي تحدث في الكون وهو في حركة دائمة. فشموسٌ تنفجر وثقوب سوداء تلتهم كل شيء – حتى الضوء – نحتاج إلى آلاف وملايين السنين لتصل إلينا. لكنه استطاع أن يلحظ ويعي بعضها كما نسميها اليوم بالاحتباس الحراري والتوازن البيئي بفعل تطور العلوم والتكنولوجيا. إذاً ما الذي حدث؟
الذي حدث أن الإنسان سأل سؤالاً جاداً حول ما يحدث من ظواهر طبيعية فوصف الظاهرة وصفاً ظاهرياً. ثم سأل سؤالاً مرة أخرى حول كيف تحدث هذه الأشياء ولماذا تحدث؟
سؤال الكيف جعله يفسّر كيف تحدث هذه الظواهر، أمّا غايتها فلم ولن تكون إجابة كالتي تقال قديماً أن لها غاية ومقصد وإنما يحيلها لظروف طبيعية أيضاً نافياً عنها فكرة الوجود الواعي.
وحين علم كيف تحدث، وكيف تسير كتب عنها فرضيات ونظريات لربطها في نسق وبالتالي سهولة التنبؤ بها وحدث ذلك، والأخطر من ذلك هو استطاعته التحكم بها والسيطرة عليها.
وهذا التحوّل جعلنا نرى الظواهر الطبيعية مظاهر جمالية لا تؤدّي إلى معنى معين، فبدلاً من الخوف من الكسوف أو الخسوف أصبح الإنسان يتسابق بكاميراته ليصوّر هذا الحدث الطبيعي دون خوف ومهابة.
وعلى مستوى المواد الطبيعية فكفيلٌ بمعرفة خواصها استطعنا إعادة ترتيبها في صور أخرى تجسّدت في التكنولوجيا الحديثة من هواتف وسيارات وطائرات وغيرها. فليست هناك شجرة تزرع هواتف آيفون وشجرة تزرع شاشات سامسونج وشجرة تزرع سيارات لامبورجيني. فكلها مصنوعات إنسانية خالصة توسعت بعد معرفة علمية دقيقة لخواص الطبيعة ومكوناتها.
وأخيراً..
العلم لا يعدنا بالثبات، الثبات هو الوهم!
Their cellular betting app is slick and straightforward to use, and 1xbet their customer ratings are fantastic. Borgata has not been going for too lengthy, and we might anticipate them to improve over the approaching months and years. Their welcome bonus is simple and straightforward to clear, with daily bonuses and in-play markets all very enticing.
ردحذف