الفرق بين تعلّم اللغة واكتسابها من وجهة نظر الباحث اللغوي ستيفن كراشن

منير شاب متفوق في دراسته إلا أنه لا يستطيع التواصل باللغة الإنجليزية. هذا وبالرغم من اجتيازه لها أثناء الدراسة، إلا أنه وبعد أربع سنوات من تخرجه من الثانوية ودخوله المرحلة الجامعية، لاتزال اللغة الإنجليزية عائقا أمامه. على عكس صديقه سالم.

فسالم شاب يتقن تماما التواصل بها، بصرف النظرعن كونه درس الإبتدائية والثانوية رفقة صديقه منير. فعندما تخرج سالم من مرحلة الثانوية كان كصديقه لا يجيد التواصل باللغة، إلا أن الفرق حدث في الأربع سنين التي تلت. فقد التحق بأحد معاهد اللغة المعتبرة في مدينته، حيث أخذ عدة دروات تدريبية لمدة ستة أشهر، ووجد نفسه مع أناس يشاركونه الهدف في اكتساب اللغة. فبدأ يتحدث الإنجليزية معهم بشكل يومي. طموح سالم وجديته تجاوزا المعهد، فلم يكتف بذاك القدر، بل أصبح يشاهد الأفلام الأمريكية بشكل يومي ويحاول أن يقلد حواراتهم. أيضا انضم إلى بعض المجموعات على مواقع التواصل الإجتماعي والتي تهتم بتعليم اللغة، بالإضافة إلى اقتنائه بعض القصص ليقرأها. بعد ذلك كون صداقات على الإنترنت مع أناس من مختلف أنحاء العالم عن طريق رسائل الواتساب والتليجرام، وأصبح يمارس الإنجليزية معهم بشكل يومي.

في ظرف سنة واحدة، استطاع سالم أن يتقن التواصل بالإنجليزية، الشيء الذي عجز عن تحقيقه لعشر سنين قضاها في المدارس.

ما الذي حدث هنا؟ لماذا تمكن سالم من تعلم اللغة، بينما مازال منيرٌ لا يتقنها، بالرغم أن الأخير أيضا درس بعض مواد اللغة الإنجليزية في المرحلة الجامعية ؟

لنعرف السبب علينا أولا التعرف على الآلية التي نتلقى بها اللغات الأجنبية. فبناء على اللغوي ستيفن كراشِن (Stephen Krashen)، وهو أحد أعمدة الباحثين اللغوين في القرن الماضي في مجال اكتساب لغة ثانية، فإن هنالك فرق بين تعلم اللغة واكتسابها. 

فالطريقة التي ندرس بها اللغة كأحد المواد الدراسية عادة ما تعتمد على نظام تعليم وشرح القواعد اللغوية مثلها مثل باقي المواد، حيث شرح المدرس والفهم والحفظ ومن ثم خوض إمتحانات كتابية. وهذا في نظر كراشن هو تعلم اللغة (Language Learning)، أي أننا قادرون منطقيا على فهمها.

أما ما حدث مع سالم بعد الدراسة فهو اكتساب للغة (Language Acquisition)، وهذا ما يحدث بعد أن نضع أنفسنا في بيئة تتيح لنا استخدام اللغة بشكل مباشر سواء كنا متلقين لها أو ملقين.

كراشن يخبرنا بأن التعلم هو عملية واعية (conscious)، بينما الاكتساب عبارة عن عملية لاواعية (subconscious).

هذا لا يعني أن لا علاقة للتعلم باكتساب اللغة، إلا أن دور التعلم هنا هو دور المراقب وهو ما يطلق عليه كراشن فرضية المراقبة (monitoring hypothesis)، فقبل أن نصل لمرحلة اتقان اللغة فإن التعلم يساعدنا على مراقبة أخطائنا وبالتالي تصحيحها. فمثلا عندما نتعلم في قواعد اللغة الإنجليزية إضافة حرف s   للفعل المضارع حين يكون الفاعل (the subject) He  أو She أو It ، فإننا أثناء الحوار ربما نخطئ ونقول: He play football every Saturday.، إلا أن معرفتنا الواعية من خلال تعلمنا القاعدة قد تساعدنا على التصحيح وبالتالي نعيد الجملة لتصبح: He plays football every Saturday. ، وبذلك ومع التكرار يصبح اكتساب اللغة ممكنا.

إذن المشكلة الحقيقية هي عندما نخلط بين رغبتنا في اكتساب اللغة وبين التعلم. فإن أردنا اكتساب لغة ما، علينا أن نضع أنفسنا في البيئة المناسبة لممارستها،  فالتعليم يساعد على الاكتساب، إلا أنه ليس كافيا.

وربما على مدرسي اللغة ومصممي المناهج -خصوصا في المدارس الحكومية- وضع تلك الحقيقة في الحسبان، حيث يجب توفيرالبيئة المناسبة لاكتسابها وكذلك تصميم المنهج بحيث أن يُعطى للطالب الفرصة للتدريب والممارسة، وبذلك تُكتسب اللغة.

وهذا هو الملاحَظ في المناهج الأوروبية والأمريكية المخصصة لتعلم اللغة الإنجليزية كلغة أجنبية (EFL)،  وهو إرفاق المناهج بالعديد من الأنشطة والتمارين التي تتيح للطلاب ممارسة اللغة بشكل مباشر. وبالتالي فإن المشكلة الجوهرية تبقى في مدى إدراك المدرسين لأهمية التطبيق، أو بالأصح مدى تطبيقهم الفعلي للغة داخل الصف واستخدامهم الأنشطة التي تساعد على ذلك.