في إحدى حلقات برنامج "القاهرة اليوم" التلفزيوني التي بثت على قناة "اليوم" المصرية، كان في استضافة الإعلامي المصري الشهير والمثير للجدل، عمرو أديب، أحد رجال الدين المسلمين يدعى خالد، وفي أحد المداخلات يفاجأ عمرو أديب بأن المتصل هو صبي يريد أن يستفتي الشيخ عن الحكم الشرعي لبابا نويل والذي تحتفل به الأسرة كل عام، فيأتي إليهم مقدما الهدايا، فماذا كان رد الشيخ؟
"بص يا يوسف، عندنا بابا اسمه بابا محمد" يقصد نبي الإسلام محمد بطبيعة الحال، ثم يكمل:"تعال خلّي الاحتفال بتاعنا، احتفال مع الدين الجميل بتاعنا، وبنفس الوقت نحتفل بـِ بابا محمد. بابا محمد، يا أتباع محمد، ابعثوا ليوسف هدايا في المولد النبوي اللي جاي قريّب...إلخ"[1] ثم تنتهي الحلقة بجدال بين عمرو أديب المعترض على إجابة الشيخ كون الأول لا يرى وجود مشكلة مع الاحتفال بـِ بابا نويل.
إن سانتا كلوز الحالي لهو شخصية متخيلة ذات هوية مجمّعة من شخصيات حقيقية وأسطورية أخرى. فمسمى سانتا كلوز هو تطور لمسمى سينت (القديس) نيكلاس والذي ولد في الإغريق في القرون الأولى للمسيحية ، ولعل ما اشترك بين هذه الشخصية وشخصية سانتا كلاوز -بالإضافة لاشتقاق الاسم- هو أنه عُرف بمساعدته للأطفال، ففي أحد القصص قيل أنه دخل على أحد النزل ليجد جثث ثلاثة أطفال كانوا قد قتلوا، فأخذهم للخارج ثم أعادهم للحياة. وهناك قصص أخرى تروي أنه كان يتخلى عن أمواله من أجل مساعدة الأطفال كما هو في أحد القصص التي تتحدث عن أنه أعطى الذهب لأب لثلاث فتيات كنّ معروضات للبيع لكونه مثقل بالديون، إلا أنه بتلك الأموال أصبح بإمكانه تزويج بناته[2].
ولفترة طويلة كان الاحتفال بالقديس نيكولاس يتم في 6 من ديسمبر وهو تاريخ وفاته حيث يتم توزيع الهدايا للأطفال في هذا اليوم. مع الزمن وبسبب التغيرات الدينية التي حدثت في أوروبا الغربية، تم إلغاء الاحتفال بهذا اليوم، ثم تحولت مظاهره إلى يوم عيد ميلاد المسيح في الخامس والعرشين من ديسمبر، ليكون سينت نيكولاس هو موزع الهدايا الغامض للأطفال[3].
بكل تأكيد، شخصية سناتا كلاوز الحالية لم تتحول كما هي عليه الآن بشكل مباشر، بل إن الثقافات الأوروبية المختلفة أثرت في تكوين الشخصية، ففي الثقافة الألمانية قد ظهرت عدة شخصيات ميثولوجية، يشجعون بها الأطفال على حسن التصرف حتى يحصلوا على الهدايا، ويخوفون بها من يسيء التصرف والتي كانت تصل حتى تهديدهم بأنه سيضربهم أو يختطفهم، وهو أمر يبدو متطرفا إذا ما قارناه بشخصية سانتا كلاوز الحالية.
ومن بين هذه الشخصيات هي شخصية بيلسينكل والذي يجلب الهدايا للصغار في يوم الكريسماس وهو يرتدي ملابس صوفية، ولعله السبب الذي جعل شخصية سانتا كلاوز الحالية يرتدي الصوف[4].
أما التطور الأخير الذي حصل لسانتا كلاوز فقد كان في الولايات المتحدة في القرون السابقة حين بدأ يكتب الشعار والكتاب عن احتفال القديس نيكلاس، وكيف أن بعض الهولنديين يحتفلون به في الكريسماس، الأمر الذي جعل الأميريكان يتبنون الإحتفال بالإضافة إلى توظيف التجار لذلك اليوم في صناعة الهدايا والترويج لها[5] .
بحسب علم كاتب هذا المقال المحدود، فإنه لا توجد شخصية إسلامية توزع الهدايا للأطفال كمثل سانتا كلاوز، ولكن إن جردنا الشخصية من الفعل، ونظرنا للدور الإجتماعي الذي تقدمه لشاهدنا أن سانتا كلاوز هو صورة نمطية لأحد أولياء الله الصالحين الذين خلدتهم المجتمعات الإسلامية، والذي توجد أشباهها في العديد من ثقافات العالم.
حيث يظهر رجل صالح في أحد المجتمعات، يخدم مجتمعه ويكون مثالا للكرم والطيبة والتسامح والعطاء، وعندما يموت تكثر حوله القصص التي تذكر محاسنه، ومع خيال الإنسان الجامح تحور تلك القصص، أو تؤلف قصص جديدة، فتصبغها بالقدسية.
هذا النوع من التقديس بالرغم أنه موجود فقط في عقول المعتقدين به، إلا أن وجوده الرمزي يقوم بدور الموحد للناس في مجتمعاتهم.
ولعلها امتداد لقدرة البشر على البقاء على وجه الأرض وانتصارهم على بقية الحيوانات على هذا الكوكب، فكما يرى المفكر والمؤرخ يوفال هاراري أن أبرز ما جعل الإنسان (العاقل) ينجو وينتصر على قرائنه من الحيوانات، هو قدرته على التعاون بأعداد كبيرة، هذا التعاون هو بفضل قدرته على خلق صورة تخيلية يعتقد بها الكثير من الناس فتساعد على تعاونهم والعمل سوية بأعداد كبيرة، مثل ذلك نراه في الآلهة، والأساطير، والعملات، وسانتا كلاوز والأولياء الصالحين. [6]
فزيارة قبور الأولياء والتبرك بهم لهي صورة في متخيل الكثير من المسلمين، وبالرغم من كونها عقائد نتجت عن الخيال الجمعي، إلا أنها قد تقوم بدور المعالج النفسي لبعض الأفراد، وكذلك قد تكون مناسبة جيدة لبعض المجتمعات إذا ما صاحبتها بعض مظاهر الإحتفال والجمعات الأسرية التي تزيد من أواطر الترابط بين المجتمعات، والتي هي أحد أهم وسائل البقاء للإنسان (خصوصا في العصور الماضية والمجتمعات التقليدية).
لعل الفرق الجوهري بين تعامل المجتمعات مع شخصية سانتا كلاوز الحديثة، وبين الأولياء الصالحين (في أضرحهم) هو أن البالغين في الغرب يدركون أن سانتا كلاوز ليس حقيقي، لهذا لا تصحب مظاهر احتفالهم أي مبالغات قد تضر بالمجتمع كالضرب والتزاحم والتي تظهر جلية في مظاهر احتفالات المسلمين.
ومن اللافت للنظر أيضا أن هذه المظاهر الإحتفالية أو الطقوس قد لاقت ولا زالت تلاقي معارضة شديدة بين الحين والآخر من قبل تيارات مختلفة، فقد حاول السوفييت محاربة سانتا كلاوز واستبداله بشخصية رأس السنة في محاولة منهم لعلمنة احتفالاتهم، وقد ظهر التيار السلفي في فترات متعددة من تاريخ العصر الإسلامي محاولين القضاء على هذه المظاهر، إلا أنها ظلت حاضرة في المجتمعات على اختلاف تفاصيلها.
ويبدو أنه لا توجد قوة في الأرض ولا فكرة قادرة على القضاء الكلي على عقائد المجتمعات الخاصة، وإن نجحت في ذلك ظهرت عقائد جديدة في ظاهرها، قديمة جدا في جوهرها.
وللتعقيب على إجابة الشيخ خالد، فإن صورة النبي محمد تختلف عن صورة سانتا كلاوز (بابا نويل)، وربما بقوة اقتصادية وتسويقية يمكن الترويج لقصة إسلامية مباشرة تظهر في المولد النبوي.
وحتى يتبنى تلك القصة بعض المسلمين، وحتى تكون هنالك دولة إسلامية بتأثير أمريكا تتبنى هذه القصة، فلن تخلق الأثر في العالم أي فكرة أخرى، وهي بكل تأكيد لن تقضي على كل المظاهر الرمزية والإحتفالية في هذا العالم.
"بص يا يوسف، عندنا بابا اسمه بابا محمد" يقصد نبي الإسلام محمد بطبيعة الحال، ثم يكمل:"تعال خلّي الاحتفال بتاعنا، احتفال مع الدين الجميل بتاعنا، وبنفس الوقت نحتفل بـِ بابا محمد. بابا محمد، يا أتباع محمد، ابعثوا ليوسف هدايا في المولد النبوي اللي جاي قريّب...إلخ"[1] ثم تنتهي الحلقة بجدال بين عمرو أديب المعترض على إجابة الشيخ كون الأول لا يرى وجود مشكلة مع الاحتفال بـِ بابا نويل.
من هو بابا نويل (سانتا كلاوز)؟
مع نهاية كل عام، وبالتحديد في الخامس والعشرون من ديسمبر، يحتفل المسيحيون (وبعض غير المسيحيين) في كل أنحاء العالم بعيد الكريسماس. هذا وبالرغم من مظاهر الكريسماس المختلفة من الجمعات الأسرية والأشجار الخضراء المزينة بالأضواء والحلويات والمكسرات والتي يوضع حولها الهدايا، إلا أن شخصية بابا نويل (سانتا كلاوز) أصبحت بمثابة الأب الروحي للكريسماس. والاسم "بابا نويل" هو التسمية الفرنسية ل"سانتا كلاوز"، وللتبسيط سنستخدم "سانتا كلاوز" كونه الأكثر شعبية في العالم.إن سانتا كلوز الحالي لهو شخصية متخيلة ذات هوية مجمّعة من شخصيات حقيقية وأسطورية أخرى. فمسمى سانتا كلوز هو تطور لمسمى سينت (القديس) نيكلاس والذي ولد في الإغريق في القرون الأولى للمسيحية ، ولعل ما اشترك بين هذه الشخصية وشخصية سانتا كلاوز -بالإضافة لاشتقاق الاسم- هو أنه عُرف بمساعدته للأطفال، ففي أحد القصص قيل أنه دخل على أحد النزل ليجد جثث ثلاثة أطفال كانوا قد قتلوا، فأخذهم للخارج ثم أعادهم للحياة. وهناك قصص أخرى تروي أنه كان يتخلى عن أمواله من أجل مساعدة الأطفال كما هو في أحد القصص التي تتحدث عن أنه أعطى الذهب لأب لثلاث فتيات كنّ معروضات للبيع لكونه مثقل بالديون، إلا أنه بتلك الأموال أصبح بإمكانه تزويج بناته[2].
ولفترة طويلة كان الاحتفال بالقديس نيكولاس يتم في 6 من ديسمبر وهو تاريخ وفاته حيث يتم توزيع الهدايا للأطفال في هذا اليوم. مع الزمن وبسبب التغيرات الدينية التي حدثت في أوروبا الغربية، تم إلغاء الاحتفال بهذا اليوم، ثم تحولت مظاهره إلى يوم عيد ميلاد المسيح في الخامس والعرشين من ديسمبر، ليكون سينت نيكولاس هو موزع الهدايا الغامض للأطفال[3].
بكل تأكيد، شخصية سناتا كلاوز الحالية لم تتحول كما هي عليه الآن بشكل مباشر، بل إن الثقافات الأوروبية المختلفة أثرت في تكوين الشخصية، ففي الثقافة الألمانية قد ظهرت عدة شخصيات ميثولوجية، يشجعون بها الأطفال على حسن التصرف حتى يحصلوا على الهدايا، ويخوفون بها من يسيء التصرف والتي كانت تصل حتى تهديدهم بأنه سيضربهم أو يختطفهم، وهو أمر يبدو متطرفا إذا ما قارناه بشخصية سانتا كلاوز الحالية.
ومن بين هذه الشخصيات هي شخصية بيلسينكل والذي يجلب الهدايا للصغار في يوم الكريسماس وهو يرتدي ملابس صوفية، ولعله السبب الذي جعل شخصية سانتا كلاوز الحالية يرتدي الصوف[4].
أما التطور الأخير الذي حصل لسانتا كلاوز فقد كان في الولايات المتحدة في القرون السابقة حين بدأ يكتب الشعار والكتاب عن احتفال القديس نيكلاس، وكيف أن بعض الهولنديين يحتفلون به في الكريسماس، الأمر الذي جعل الأميريكان يتبنون الإحتفال بالإضافة إلى توظيف التجار لذلك اليوم في صناعة الهدايا والترويج لها[5] .
هل يوجد سانتا كلاوز مسلم؟
رجل دين له كرامات عديدة ويساعد الناس، ثم بعد وفاته يحتفي الناس به. هذا هو سانتا كلاوز، ألا يبدو هذا مألوفا؟بحسب علم كاتب هذا المقال المحدود، فإنه لا توجد شخصية إسلامية توزع الهدايا للأطفال كمثل سانتا كلاوز، ولكن إن جردنا الشخصية من الفعل، ونظرنا للدور الإجتماعي الذي تقدمه لشاهدنا أن سانتا كلاوز هو صورة نمطية لأحد أولياء الله الصالحين الذين خلدتهم المجتمعات الإسلامية، والذي توجد أشباهها في العديد من ثقافات العالم.
حيث يظهر رجل صالح في أحد المجتمعات، يخدم مجتمعه ويكون مثالا للكرم والطيبة والتسامح والعطاء، وعندما يموت تكثر حوله القصص التي تذكر محاسنه، ومع خيال الإنسان الجامح تحور تلك القصص، أو تؤلف قصص جديدة، فتصبغها بالقدسية.
هذا النوع من التقديس بالرغم أنه موجود فقط في عقول المعتقدين به، إلا أن وجوده الرمزي يقوم بدور الموحد للناس في مجتمعاتهم.
ولعلها امتداد لقدرة البشر على البقاء على وجه الأرض وانتصارهم على بقية الحيوانات على هذا الكوكب، فكما يرى المفكر والمؤرخ يوفال هاراري أن أبرز ما جعل الإنسان (العاقل) ينجو وينتصر على قرائنه من الحيوانات، هو قدرته على التعاون بأعداد كبيرة، هذا التعاون هو بفضل قدرته على خلق صورة تخيلية يعتقد بها الكثير من الناس فتساعد على تعاونهم والعمل سوية بأعداد كبيرة، مثل ذلك نراه في الآلهة، والأساطير، والعملات، وسانتا كلاوز والأولياء الصالحين. [6]
فزيارة قبور الأولياء والتبرك بهم لهي صورة في متخيل الكثير من المسلمين، وبالرغم من كونها عقائد نتجت عن الخيال الجمعي، إلا أنها قد تقوم بدور المعالج النفسي لبعض الأفراد، وكذلك قد تكون مناسبة جيدة لبعض المجتمعات إذا ما صاحبتها بعض مظاهر الإحتفال والجمعات الأسرية التي تزيد من أواطر الترابط بين المجتمعات، والتي هي أحد أهم وسائل البقاء للإنسان (خصوصا في العصور الماضية والمجتمعات التقليدية).
لعل الفرق الجوهري بين تعامل المجتمعات مع شخصية سانتا كلاوز الحديثة، وبين الأولياء الصالحين (في أضرحهم) هو أن البالغين في الغرب يدركون أن سانتا كلاوز ليس حقيقي، لهذا لا تصحب مظاهر احتفالهم أي مبالغات قد تضر بالمجتمع كالضرب والتزاحم والتي تظهر جلية في مظاهر احتفالات المسلمين.
ومن اللافت للنظر أيضا أن هذه المظاهر الإحتفالية أو الطقوس قد لاقت ولا زالت تلاقي معارضة شديدة بين الحين والآخر من قبل تيارات مختلفة، فقد حاول السوفييت محاربة سانتا كلاوز واستبداله بشخصية رأس السنة في محاولة منهم لعلمنة احتفالاتهم، وقد ظهر التيار السلفي في فترات متعددة من تاريخ العصر الإسلامي محاولين القضاء على هذه المظاهر، إلا أنها ظلت حاضرة في المجتمعات على اختلاف تفاصيلها.
ويبدو أنه لا توجد قوة في الأرض ولا فكرة قادرة على القضاء الكلي على عقائد المجتمعات الخاصة، وإن نجحت في ذلك ظهرت عقائد جديدة في ظاهرها، قديمة جدا في جوهرها.
وللتعقيب على إجابة الشيخ خالد، فإن صورة النبي محمد تختلف عن صورة سانتا كلاوز (بابا نويل)، وربما بقوة اقتصادية وتسويقية يمكن الترويج لقصة إسلامية مباشرة تظهر في المولد النبوي.
وحتى يتبنى تلك القصة بعض المسلمين، وحتى تكون هنالك دولة إسلامية بتأثير أمريكا تتبنى هذه القصة، فلن تخلق الأثر في العالم أي فكرة أخرى، وهي بكل تأكيد لن تقضي على كل المظاهر الرمزية والإحتفالية في هذا العالم.
المصادر:
[1]https://www.youtube.com/watch?v=_4OI6zIIYNk
[2,3,4] https://www.nationalgeographic.com/history/article/131219-santa-claus-origin-history-christmas-facts-st-nicholas
[5]https://www.history.com/topics/christmas/santa-claus
التعليقات