علم الأبراج: بين الحقيقة والزيف

شارك:

Clock representing the Zodiac Signs
المصدر: Unsplash بواسطة *Josh Rangel
لم تكن ليزلي ستيوارت تؤمن بالأبراج، لكنها وجدت نفسها وهي تتصفح الجريدة تقرأ في طالع أبناء برج الأسد؛ بُرجها.
فقد أخبرها طالعها بحسب الكاتب المدعو زولتير أن القمر في هذا اليوم ينير حياتها الرومانسية، وأن عليها أن تنتبه إلى ذلك، إذ أن حدثا هاما سيطرأ، وأن برجها المتوافق معها هو العذراء...
قرأته بشي من الهوانة واللامبالاة، إلا أنها فيما بعد التقت أوليفر الذي غير حياتها بالكامل، حيث وقعت في حبه فأحبته أيما حب، بل وناصرته في حملته الانتخابية في سباق مقعد المحافظ في ولايتهم، فقد كانت تملك شركة دعائية وظفتها ودفعت من مالها من أجل انتصار حبيبها في الانتخابات.
مع الوقت تقدم أوليفر لخطبتها ووافقت، وقبل موعد الزواج بأسبوعين حصل وأن قرأت طالعها لذات اليوم وهو أن شيئا سيئا سيحدث لها..
 لم تصدق أيا من ذلك، لكنها تفاجأت فيما بعد عبر الهاتف أن خطيبها قد تزوج ابنة السيناتور تود دايفيز. بسبب تلك الصدمة وجدت نفسها حاقدة بشدة على أوليفر ولم تكن لها غاية من بعدها سوى الانتقام منه.
مع مرور السنين أصبح أوليفر رئيسا للولايات المتحدة الأمريكية، بينما كونت هي إمبراطورية إعلامية ضخمة، ووظفت العراف زولتير لديها، فقد أصبحت مع الزمن تؤمن بالأبراج وتراقب طالعها وتستشيره في كل مرة تحاول اتخاذ قرار مهم.
وفي النهاية وبسبب جرائم القتل التي كانت تحدث حول الرئيس أوليفر رأت ليزلي وبدلائل غير كافية أن تثير الشارع بتوجيه أصابع الاتهام إليه. حاول  مات-بيكر رئيس التحرير لديها إقناعها بأن لا تنشر الخبر قبل التحقق، إلا أن حقدها على أوليفر أعماها عن ذلك، فاستدعت زولتير ليخبرها بطالعها فكان رده لها –بعد تمتمة جمل عشوائية غير واضحة المعاني– بأن حدثا مهما سيحدث وبأنها في صلب الحدث وبأنها ستصبح مشهورة جدا وسيعرف العالم كله اسمها..
أخذت ليزلي كلامه على محمل الجد، لكنها فسرته على أنها ستصبح بطلة في أعين الناس نتيجة سبقها الصحفي في الإيقاع بالرئيس وكشف حقيقته أمام الناس.
 وفي النهاية، وبعد أن قررت نشر المقال، تبين للعالم أن الرئيس بريء من تلك الجرائم، وعُرف الفاعل وهو أحد مقربيه بطريقة فاضحة وعلى الهواء مباشرة أمام التلفاز.
حاولت أن توقف النشر إلا أن الأوان كان قد فات، فأدركت أن ما عناه زولتير بالشهرة هو حدوث الأمر بطريقة سلبية، وبهذا دمرت بحقدها وتسرعها واعتمادها على العراف كل ما بنته من صيت ومكانة اجتماعية لها.

ليزلي ستيوارت هي أحد الشخصيات الرئيسية في رواية أفضل الخطط الموضوعة (The best laid plans) لأحد أشهر الروائيين الأمريكيين التشويقيين، سيدني شيلدون.  
قصة ليزلي مع الأبراج وإن كانت متخيلة إلا أنها لا تختلف كثيرا من حيث المبدأ عن تعامل الناس في الواقع معها، فالروائي هنا وبالرغم من أنه قد أعطى قراءة الطالع شيء من المثالية لتتلاءم مع الأحداث ولتربط القارئ بها، إلا أنه حرص على أن يكون نص زولتير عاما وغير محددا وهذا هو أحد أهم مفاتيح كتابة الطالع.
فالمنجمون بأنواعهم يميلون إلى كتابة النص بشيء من التعميم بدلا من التحديد، فبدلا من أن يذكر الحدث بشكل واضح ومحدد، يميل إلى وصف الحدث بأفكاره العامة، وبإمكانه أن يحدث لأي شخص لو أعطيناه بعدا منطقيا، فوصف الشخصية، مثلا، بأنها تحب الآخرين، أو أنها بطبعها لا تتقبل الإهانة من أحد، لهي صفات عامة يكاد يرى الجميع أنها تصفهم؛ كذلك الأمر عندما يخبرك طالعك بأن توقع مقابلة لطيفة من الجنس الآخر، وهي أحداث تكاد تحدث للجميع إن كان القارئ مستعدا لتأمل تفاصيل حياته وربط هذه الأفكار العامة بها.
هذه الظاهرة تسمى بظاهرة بارنوم-فورر
(1)، حيث لاحظ فورر أن الناس لديهم قابلية لتصديق النصوص العامة التي تتحدث عن الشخصيات والتعامل معها على أنها خاصة بهم لو تم توجيهها على أنها تصفهم بشكل شخصي. بمعنى آخر فإن قراءة طالع برج العقرب قد ينطبق على برج الحوت أو العذراء إذا ما بادلنا بين النصوص دون إعلامهم بذلك.
بالإضافة إلى ذلك فإن هنالك تنميط مسبق يستخدمه هؤلاء المنجمون، فمثلا يقال أن شخصية العقرب حقودة وأن الأسد شجاع وأن الحوت يحب السباحة وعاطفي في مشاعره، كل هذه الأشياء من شأنها تنميط القارئ وتهيئته لما هو قادم، فيتم ربطها بالنصوص بتذكير القارئ بسمات شخصيتهم ثم توجيهها لتتلاءم مع الأحداث العامة.
لنأخذ المثال التالي على قراءة في الطالع العاطفي لبرج الحوت من أحد المواقع العربية المتخصصة في الأبراج: (قد تجد أحياناً أنّ الشريك يعتمد عليك كثيراً، لذا، يستحسن أن تكون على مستوى طموحاته وخصوصاً أنك تملك الإمكانات)
(2)
 حقا؟!
أليس الحديث هنا عن شريك الحياة وأن أساس الشراكة هو اعتماد الطرفين على بعضهم البعض؟
 بل ربما حتى لو لم يكن شريك الحياة لا يعتمد علينا كثيرا، فغالبا سننظر إليهم كذلك.
ثم أليست هذه النصيحة بديهية؟ ـــ "يستحسن أن نكون على مستوى طموحاته"
 أليس هذا أساس أي علاقة وهو أن الآخر يأمل ويتوقع منا أشياء ويستحسن علينا أن نكون على مستوى تلك التوقعات؟

الكلام عام وفضفاض وبالتالي حتى لو تم تقديمه لبرج آخر فسيجد الشخص نفسه فيه، وهذا هو أبرز الأسباب لميلان الناس لتصديق ما يقال.

أما عن العامل النفسي وراء هذا الميول، فهنالك عدة أسباب، لعل أبرزها هي حالة الضغط النفسي التي يتعرض لها الفرد
(3)، ناهيك عن رغبته الملحة في معرفة المستقبل، إذ توجد بعض الدلائل التي تؤكد أن الإنسان يفضل معرفة حتمية الأحداث السيئة على أن تكون مجهولة(4).
فالضغط النفسي والقلق يؤثران كثيرا في حالة الإنسان النفسية وقد يؤدي إلى الاكتئاب ولهذا قد يجد في قراءة المستقبل الخلاص من ذلك الحزن فهو يبحث بين كلمات العرافين عن الطمأنينة وراحة البال وبأن كل شيء سيكون على ما يرام.
ويبدو أن هذا الأمر يشبه حالة التعلق الشديد بكتب تطوير الذات والجلسات التدريبية المعنية بذلك دونما نتيجة فعلية تذكر أو تغير في الوضع الاقتصادي للفرد سوى شعور لحظي يحفز فيه الدوبامين عبر جرعات الأمل والأوهام التي تتجاهل الواقع ومعطياته.
ربما هنالك أسباب أخرى أيضا تؤدي بالأفراد إلى الاهتمام بقراءة الأبراج، كطبيعة الإنسان العقائدية ونشأته في بيئة تؤمن بالخوارق.
أو لعله يقرؤها كوسيلة للشعور بالانتماء كما يحدث مع من يميل إلى وصف نفسه بأنه من برج السرطان أو الثور أو الجدي وغيرها وكيف يتحمسون حين يعلمون أن شخصا آخر يشبههم في ذات البرج، أو أن برجه مائي التصنيف مثلهم أو ناري على خلافهم، وهكذا، فتتحول المسألة إلى نوع من السلوك القبلي الفطري.
وقد يراه البعض كوسيلة من التسلية وإمضاء الوقت، رغم أن هذه التسلية لا يمكن أن تخلو تماما من الاعتقاد بها ولو بالشيء اليسير.

أيا كان الأمر، فلا توجد أي دلائل علمية على حقيقة الأبراج، فهي تصنف كعلوم زائفة (Pseudoscience)، علاوة على كونها غير قادرة على تحديد الأحداث بشكل دقيق لتكشف عن زيفها بشكل فاضح.
مع ذلك فهي تشكل مصدر دخل للكثيرين وقيمتها الاقتصادية العالمية  قدرت في 2021 بحوالي 12 مليار دولار
(5)، ولهذا لا عجب أن مواقع إنترنت عالمية كثيرة تهتم بالأبراج وتروج لها...

 وأنت ما برجك؟ 
 
 

المصادر:

(1) American Psychological Association. (n.d.). Barnum effect. In APA Dictionary of Psychology. Retrieved from https://dictionary.apa.org/barnum-effect
(2) Arabhaz. (n.d.). Pisces. Retrieved from https://arabhaz.com/wp/zodiac/pisces/
(3) Tyson, G. A. (1982). People who consult astrologers: A profile. Personality and Individual Differences, 3(2), 119-1262.
(4)  BIDMC Communications. (2023). Patients prefer bad news to no news on test results. Harvard Gazette. Retrieved from https://news.harvard.edu/gazette/story/2023/03/patients-prefer-bad-news-to-no-news-on-test-results/
(5)  CBC Radio. (2023). Big Zodiac: the soaring popularity — and profits — of astrology. Retrieved from https://www.cbc.ca/radio/ideas/big-zodiac-rise-of-astrology-1.6794571

*https://unsplash.com/photos/aDmYkVd6rs4?utm_source=unsplash&utm_medium=referral&utm_content=creditShareLink







التعليقات

الاسم

أخرى,4,إدارة ذاتية,4,تاريخ، فكر، علم اجتماع,2,تعلم,9,علم النفس الإجتماعي,1,علم النفس الإدراكي,7,فلسفة,7,
rtl
item
فطن: علم الأبراج: بين الحقيقة والزيف
علم الأبراج: بين الحقيقة والزيف
https://blogger.googleusercontent.com/img/b/R29vZ2xl/AVvXsEjL75KjBcjfqmNNwjSGotBYTeqmZbpefm_Bpvp5ThfiDZTtIAgQ189Z-_wAHe_ox-PzEd8QpBaNyfhTPw3RHrJ0UsmO83bsprU70IDpdixbRhPRt1eZwpTa2cWy68yyHycLNa1-2upq2JWb4h9o8rMGYlG_EiM4JFtmOPKqom47VHn-ARg8YFONrNxKM-Dk/w640-h427/josh-rangel-aDmYkVd6rs4-unsplash.jpg
https://blogger.googleusercontent.com/img/b/R29vZ2xl/AVvXsEjL75KjBcjfqmNNwjSGotBYTeqmZbpefm_Bpvp5ThfiDZTtIAgQ189Z-_wAHe_ox-PzEd8QpBaNyfhTPw3RHrJ0UsmO83bsprU70IDpdixbRhPRt1eZwpTa2cWy68yyHycLNa1-2upq2JWb4h9o8rMGYlG_EiM4JFtmOPKqom47VHn-ARg8YFONrNxKM-Dk/s72-w640-c-h427/josh-rangel-aDmYkVd6rs4-unsplash.jpg
فطن
https://www.fa6n.com/2023/06/Zodiac-signs-why-we-believe.html
https://www.fa6n.com/
https://www.fa6n.com/
https://www.fa6n.com/2023/06/Zodiac-signs-why-we-believe.html
true
3900940133559499526
UTF-8
تم تحميل جميع المقالات لا توجد أي مقالات مشابهة عرض الكل إقرأ المزيد التعليق إلغاء التعليق حذف بواسطة الرئيسية الصفحات المقالات عرض الكل مقترحة لك التسميات الأرشيف البحث جميع المقالات لا توجد أي مقالات مطابقة الرجوع للرئيسية الأحد الإثنين الثلاثاء الأربعاء الخميس الجمعة السبت الأحد الإثنين الثلاثاء الأربعاء الخميس الجمعة السبت يناير فبراير مارس أبريل مايو يونيو يوليو أغسطس سبتمبر أكتوبر نوفمبر ديسمبر يناير فبراير مارس أبريل مايو يونيو يوليو أغسطس سبتمبر أكتوبر نوفمبر ديسمبر الآن قبل دقيقة قبل $$1$$ دقائق قبل ساعة قبل $$1$$ ساعات الأمس قبل $$1$$ أيام قبل $$1$$ أسابيع منذ خمسة أسابيع متابعين تابع هذا المحتوى مقفل الخطوة الأولى: شارك على شبكات التواصل الخطوة الثانية: اضغط الرابط من داخل موقع التواصل Copy All Code Select All Code All codes were copied to your clipboard Can not copy the codes / texts, please press [CTRL]+[C] (or CMD+C with Mac) to copy قائمة المحتويات