عندما نشاهد برامج المواهب على التلفاز، كعرب آيدول، يحدث أحيانا أن نرى أحد المشاركين يدخل أمام لجنة التحكيم، يتحدث بكل ثقة عن طموحاته في الغناء وكيف أنه يمكن أن يذهب بعيدا بصوته المميز. تبدأ الموسيقى، يراقب الجميع في صمت، ينتظرون غناءَه، بعدها يصاب الجميع بموجة ضحك هستيرية من بشاعة صوت المشترك الذي يتبين لنا أنه سيئٌ جدًّا.
هذا النوع من المشتركين يجعل المشاهد يتساءل: ألا يعرف هؤلاء أنهم ليسوا جيدين في الغناء؟
أمثالهم لا يظهرون فقط في مثل هذه البرامج، بل في شتى مناحي الحياة المختلفة، ففي سنة 1995 كان هنالك رجل في بيتسبرج بالولايات المتحدة، اسمه ماكارثور ويلر، قد دخل اثنين من البنوك وسرقهما في وضح النهار ودون أن يحاول التخفي. ألقت الشرطة القبض عليه بعد ساعة من رؤية الفيديو الخاص بكامرا المراقبة بالبنك. وعندما أروه الفيديو تفاجأ بوجوده في الفيديو قائلا لهم: (ولكنّي مسحت جسدي بالعصير) في إشارة منه إلى عصير الليمون والذي يستخدم كحبر سري والذي لا يظهر إلى بعد تعريض الورق للحرارة. وكانت هذه المفاجأة للمحققين، فهذا الرجل ظن أن مسح وجهه بعصير الليمون كان كافيا بأن يخفيه من أن يظهر على الكامرا، وعندما تم التحقق من حالته النفسية والذهنية، توصلوا أنه سليم، وأنه فقط كان قد فهم خطأ وأنه واثق بمعرفته تلك[1].
قصة رجل الليمون هي ما بنى عليها جستين كروجر وديفيد دونينج (1999) دراستهمها حول هذه الظاهرة وفهم أبعادها المختلفة.
فهما أرادا أن يثبتا مسبقا حقيقة رئيسية وهي أن هؤلاء الذين يبالغون في تقييم قدراتهم ليسوا فقط يعانون من سوء التقدير واتخاذ قرارات أفضل، بل أيضا يعانون من عجزهم على فهم أنهم غير قادرين. وبالتالي، فهم يظنون أن ما يفعلونه هو الصواب. بمعنى أن المهارة التي يحتاجها الشخص لرفع المستوى التنافسي لديه، هي نفس المهارة التي يحتاجها الفرد لمعرفة أنه لا يعرف. وبالتالي كلما زادت معرفته بالشي كلما عرف مدى معرفته بذاك الشيء. فمثلا، تعلمه للقواعد النحوية التي يحتاجها لتركيب جملة هي نفس المهارة التي يحتاجها لتمييز وتقييم هذه الجملة.
الدراسة التي أجرياها كانت باختبار مجموعة من الطلاب الجامعيين في جامعة كورنل باختبارات مختلفة في مجالات: حس الفكاهة، والقواعد النحوية، والمنطق. بعد الاختبار سُئل الطلاب عن أدائهم وتوقعهم للنتيجة. وهنا ظهر ما تنبآ به دونينج وكروجر، فأولئك الذين حققوا أسوأ النتائج، هم أكثر الناس الذين توقعوا أنهم سيحققون أفضل النتائج.
ما فعلاه بعد ذلك هو تدريب مجموعة منهم على كيفية حل الإختبار المنطقي، ومن ثم اختبارهم، وسؤالهم عن تقييم أدائهم، وكانت النتيجة هو أن معرفتهم بقدراتهم وبأدائهم في الإختبار قد تحسنت جدا، فكان تقديرهم يكاد يكون أقرب إلى الواقع[2].
هذه الظاهرة عرفت فيما بعد بظاهرة دونينج-كروجر(The Dunning-Kruger Effect). وهي ظاهرة تطلق على كل شخص يبالغ في تقديره لقدراته ولا يدرك مستواه الحقيقي.
الكثير من الدراسات والاستبيانات تماثلت مع هذه الظاهرة.
قصة رجل الليمون هي ما بنى عليها جستين كروجر وديفيد دونينج (1999) دراستهمها حول هذه الظاهرة وفهم أبعادها المختلفة.
فهما أرادا أن يثبتا مسبقا حقيقة رئيسية وهي أن هؤلاء الذين يبالغون في تقييم قدراتهم ليسوا فقط يعانون من سوء التقدير واتخاذ قرارات أفضل، بل أيضا يعانون من عجزهم على فهم أنهم غير قادرين. وبالتالي، فهم يظنون أن ما يفعلونه هو الصواب. بمعنى أن المهارة التي يحتاجها الشخص لرفع المستوى التنافسي لديه، هي نفس المهارة التي يحتاجها الفرد لمعرفة أنه لا يعرف. وبالتالي كلما زادت معرفته بالشي كلما عرف مدى معرفته بذاك الشيء. فمثلا، تعلمه للقواعد النحوية التي يحتاجها لتركيب جملة هي نفس المهارة التي يحتاجها لتمييز وتقييم هذه الجملة.
الدراسة التي أجرياها كانت باختبار مجموعة من الطلاب الجامعيين في جامعة كورنل باختبارات مختلفة في مجالات: حس الفكاهة، والقواعد النحوية، والمنطق. بعد الاختبار سُئل الطلاب عن أدائهم وتوقعهم للنتيجة. وهنا ظهر ما تنبآ به دونينج وكروجر، فأولئك الذين حققوا أسوأ النتائج، هم أكثر الناس الذين توقعوا أنهم سيحققون أفضل النتائج.
ما فعلاه بعد ذلك هو تدريب مجموعة منهم على كيفية حل الإختبار المنطقي، ومن ثم اختبارهم، وسؤالهم عن تقييم أدائهم، وكانت النتيجة هو أن معرفتهم بقدراتهم وبأدائهم في الإختبار قد تحسنت جدا، فكان تقديرهم يكاد يكون أقرب إلى الواقع[2].
هذه الظاهرة عرفت فيما بعد بظاهرة دونينج-كروجر(The Dunning-Kruger Effect). وهي ظاهرة تطلق على كل شخص يبالغ في تقديره لقدراته ولا يدرك مستواه الحقيقي.
الكثير من الدراسات والاستبيانات تماثلت مع هذه الظاهرة.
ففي سنة 1984 أجريت دراسة أكدت أن 80% من الناس يرون أنفسهم بأنهم أفضل من المتوسط[3]. أيضا في دراسة أخرى أجريت في شركتي برمجة، بسؤال مهندسي البرمجة لتقييم أنفسهم، وقد تبين أن 32% في شركة و 42% في الأخرى من مهندسي البرمجة يرون أنفسهم بأنهم من أفضل 5% من المهندسين في الشركة[4].
وفي دراسة أخرى في جامعة نبراسكا، يرى أكثر من 90% أنهم أفضل من المتوسط في قدراتهم على التدريس[5]. وهذا منطقيا مستحيل!
دراسة جديدة
هذه ليست نهاية القصة، فقد قام ستاف آتير وزملاؤه، وتحت إشراف دونينج، بإجراء دراسة مؤخرا في جامعة كورنل، هذه المرة على الخبراء. حيث قاموا بإجراء اختبار لمن يدعون خبرتهم في بعض المجالات (كالأحياء، المحسابة...إلخ). هذا وأثناء الإختبارات قد تم إضافة بعض المصطلحات الوهمية والتي تقارب المصطلحات الحقيقية، وقد تبين أن هؤلاء ادعوا أنهم يعرفونها رغم أنها وهمية.هذه الدراسة خلصت إلى أنه كلما ازداد اعتقاد الفرد بأنه يملك الخبرة في مجال ما، كلما زاد توهمه بمعرفة أمور أكثر في هذا المجال [6].
ما يهم علينا معرفته من هذا هو أننا جميعا معرضون للوقوع في شَرَك هذه الظاهرة؛ بسبب أننا، وإن كنا خبيرين في شيءٍ ما، لم نكن كذلك في شيٍ آخر. وبالتالي علينا أن لا نتسرع في حكمنا أو تقديرنا لقدراتنا، بل علينا أن نزيد معرفتنا بالشيء حتى تزداد مهارتنا ويزيد إداركنا. أيضا علينا أن نستمع لنصائح الآخرين الذين هم أكثر خبرة منا وكذلك أقراننا في هذا المجال حتى نرى الأمور من زوايا أخرى.
ما يهم علينا معرفته من هذا هو أننا جميعا معرضون للوقوع في شَرَك هذه الظاهرة؛ بسبب أننا، وإن كنا خبيرين في شيءٍ ما، لم نكن كذلك في شيٍ آخر. وبالتالي علينا أن لا نتسرع في حكمنا أو تقديرنا لقدراتنا، بل علينا أن نزيد معرفتنا بالشيء حتى تزداد مهارتنا ويزيد إداركنا. أيضا علينا أن نستمع لنصائح الآخرين الذين هم أكثر خبرة منا وكذلك أقراننا في هذا المجال حتى نرى الأمور من زوايا أخرى.
المصادر:
[1], [2] Unskilled and unaware of it: how difficulties in recognizing one's own incompetence lead to inflated self-assessments.
[4] Why incompetent people think they're amazing - David Dunning
[5] The Dunning-Kruger Effect Shows Why Some People Think They're Great Even When Their Work Is Terrible
[5] The Dunning-Kruger Effect Shows Why Some People Think They're Great Even When Their Work Is Terrible
[6] When Knowledge Knows No Bounds: Self-Perceived Expertise Predicts Claims of Impossible Knowledge
التعليقات